فصل: (الانشقاق: آية 2)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمن و{السماء} فاعل بفعل محذوف يفسّره ما بعده والتقدير إذا انشقّت السماء انشقت لأن إذا الشرطية يختص دخولها بالجمل الفعلية وما جاء من هذا ونحوه فمؤول محافظة على قاعدة الاختصاص وقد تقدم القول مفصلا فيه في سورة التكوير، وجملة {انشقت} مفسّرة لا محل لها وجملة انشقت المحذوفة في محل جر بإضافة الظرف إليها وجواب {إذا} محذوف وإنما حذف تنبيها على أنه شيء لا يحيط به الوصف أو ليذهب المقدّر كل مذهب وقيل جوابها ما دلّ عليه {فملاقيه} أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه وقيل لا جواب لها إذ هي قد نصبت باذكر نصب المفعول به فليست شرطا، والواو حرف عطف و{أَذِنَتْ} فعل ماض و{لربها} متعلقان بـ: {أَذِنَتْ} أي استمعت له {وَحُقَّتْ} فعل ماض مبني للمجهول، واعلم أن الفاعل في هذا التركيب هو اللّه تعالى أي حقّ اللّه عليها ذلك أي سمعه وطاعته يقال هو حقيق بكذا وتحقق به والمعنى وحقّ لها أن تفعل ذلك فالفاعل إذن محذوف وهو اللّه تعالى والمفعول به هو سمعها وطاعتها وهو غير مذكور بل الإسناد في الآية إنما هو للسماء نفسها فيحتاج إلى تقدير والتقدير {وَحُقَّتْ} هي أي حقّ سمعها وطاعتها أي حقّه اللّه تعالى عليها وأوجبه وألزمها به هذا هو الظاهر، وأجاز البيضاوي أن يكون نائب الفاعل هو ضمير {السماء} المستكن في الفعل من غير تقدير ونص عبارته {وَحُقَّتْ} أي جعلت حقيقة بالاستماع والانقياد.
{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} عطف على ما تقدم مماثل له في إعرابه.
{يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} {يا} حرف نداء وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه و{الإنسان} بدل وإن واسمها و{كادِحٌ} خبرها و{إلى ربك} متعلقان بـ: {كادِحٌ}، و{إلى} هنا معناها الغاية أي غاية كدحك في الخير والشر تنتهي بلقاء ربك وهو الموت، و{كدحا} مفعول مطلق والفاء حرف عطف وملاقيه عطف على {كادِحٌ} ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوف أي فأنت ملاقيه فعلى الأول يكون من عطف المفرد على المفرد وعلى الثاني يكون من باب عطف الجمل.
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ بِيَمِينِهِ} الفاء استئنافية وأما حرف شرط وتفصيل و{من} اسم موصول مبتدأ وجملة {أوتي} صلة لا محل لها ونائب الفاعل مستتر يعود على {من} و{كتابه} مفعول به ثان و{بيمينه} متعلقان بـ: {أوتي}.
{فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً} الفاء رابطة لجواب أما وسوف حرف استقبال و{يحاسب} فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو و{حسابا} مفعول مطلق و{يسيرا} نعت {حسابا}.
{وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} الواو حرف عطف و{ينقلب} فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره هو و{إلى أهله} متعلقان بـ: {ينقلب} و{مسرورا} حال وجملة سوف يحاسب خبر {من}.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً} عطف على الجملة السابقة مماثل له في إعرابه و{وراء ظهره} منصوب بنزع الخافض أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره والفاء رابطة وجملة سوف يدعو ثبورا خبر من و{ثبورا} مفعول {يدعو} أي ينادي هلاكه بقوله يا ثبوراه لأن نداء ما لا يعقل يراد به التمنّي فالدعاء بمعنى الطلب بالنداء.
{وَيَصْلى سَعِيراً} عطف على {يدعو} و{سعيرا} مفعول {يصلّى}.
{إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} تعليل لما يلاقيه وإن واسمها وجملة كان خبرها و{في أهله} حال و{مسرورا} خبر {كان}.
{إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} تعليل ثان وإن واسمها وجملة {ظن} خبرها والظن هنا بمعنى العلم والتيقن وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن و{لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{يحور} فعل مضارع منصوب بـ: {لن} وجملة {لن يحور} خبر {أن} و{أن} وما في حيّزها سدّت مسدّ مفعولي {ظن}.
{بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً} {بلى} حرف جواب لإيجاب ما بعد النفي وإن واسمها وجملة {كان} خبرها و{به} متعلقان بـ: {بصيرا} و{بصيرا} خبر {كان} وجملة {إن} وما في حيّزها جواب قسم مقدّر أو تعليل لما أفادته {بلى} من إيجاب لما بعد {لن}.

.البلاغة:

1- في قوله: {وأَذِنَتْ لربها وَحُقَّتْ} استعارة مكنيّة فقد شبّهت حال السماء في انقيادها لتأثير قدرة اللّه تعالى حيث أراد انشقاقها بانقياد المستمع المطواع للأمر ثم حذف المشبه به واستعير لفظ الإذن والاستماع المستعمل في غايته.
2- في قوله: {وألقت ما فيها وتخلت} استعارة مكنية فقد شبّهت حال الأرض بحال المرأة الحامل تلقي ما في بطنها عند الشدّة والهول ثم حذف المشبه به واستعير لفظ الإلقاء.

.[الانشقاق: الآيات 16- 25]

{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَما وسق (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لتركبن طبقا عَنْ طبق (19) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قرئ عَلَيْهِمُ القرآن لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}.

.اللغة:

(الشفق) قال الزمخشري الشفق الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء إلا ما يروى عن أبي حنيفة في إحدى الروايتين أنه البياض وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه. وسمي شفقا لرقته ومنه الشفقة على الإنسان وهي رقة القلب عليه.
وقال الراغب: الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس والإشفاق عناية مختلطة بخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه فإذا عدّي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإذا عدّي بعلى فمعنى العناية فيه أظهر.
وقال السمين: والشفق شفقان: الشفق الأحمر والشفق الأبيض والشفق والشفقة اسمان للاشفاق.
وقال أبو حيان: الشفق الحمرة بعد مغيب الشمس حين تأتي صلاة العشاء الآخرة قيل أصله من رقة الشيء يقال شيء مشفق أي لا يتماسك لرقته ومنه أشفق عليه رقّ قلبه والشفقة الاسم من الشفاق وكذلك الشفق قال الشاعر:
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ** والموت أكرم نزال على الحرم

وعبارة القاموس: الشفق محركة الحمرة في الأفق من الغروب إلى العشاء الآخرة أو إلى قربها أو إلى قريب العتمة. وهذا هو الصحيح، ومنه قول الشاعر:
قم يا غلام أعنّي غير مرتبك على ** الزمان بكأس حشوها شفق

{وسق} جمع وضم يقال وسقه فانشق واستوسق ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين اتسع واستوسع وفي القاموس: وسقه يسقه من باب ضرب جمعه وحمله ومنه والليل وما وسق.
{اتَّسَقَ} اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة، قال الفراء وهو امتلاؤه واستواؤه ليالي البدر. وهو افتعل من الوسق وهو الضم والجمع كما تقدم وأمر فلان متسق أي مجتمع على ما يسر.

.الإعراب:

{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وسق وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لتركبن طبقا عَنْ طبق} الفاء الفصيحة لأنها في جواب شرط مقدم أي إذا عرفت هذا أو إذا تحققت الرجوع بالبعث فلا أقسم وقد تقدم القول في لا أقسم فجدّد به عهدا، و{بالشفق} متعلقان بـ: {أقسم} {والليل} عطف على الشفق والواو حرف عطف وما يجوز أن تكون موصولة اسمية ويجوز أن تكون نكرة موصوفة ويجوز أن تكون مصدرية وعلى كونها موصولة أو نكرة موصوفة فعائد الصلة أو الصفة محذوف أي وسقه أي جمعه والمعنى ضم ما كان ساربا بالنهار من أصناف الخلق وأنواع الكائنات لأن كل شيء منها في الليل يعود إلى مأواه، {والقمر} عطف أيضًا و{إذا} ظرف خال من معنى الشرط متعلق بفعل القسم أي وقت اتّساقه واستوائه واللام جواب القسم وتركبن فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال لأنه من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون نون التوكيد الثقيلة وطبقا حال أو مفعول به و{عن طبق} أي أمة من الناس صفة لـ: {طبقا} أي طبقا مجاوزا الطبق وعلى كون {طبقا} مفعولا به يكون على حذف مضاف أي لتركبن سنن أو طريقة طبقة بعد طبق، وعبارة الزمخشري: فإن قلت ما محل عن طبق؟
قلت: النصب على أنه صفة لـ: {طبقا} أي طبقا مجاوزا لطبق أو حال من الضمير في {لتركبن} أي لتركبن طبقا مجاوزين لطبق أو مجاوزا أو مجاوزة على حسب القراءة.
وقال الزمخشري أيضًا: قرئ {لتركبن} على خطاب الإنسان في {يا أيها الإنسان} و{لتركبن} بالضم على خطاب الجنس لأن النداء للجنس و{لتركبن} بالكسر على خطاب النفس و{ليركبن} بالياء على ليركبن الإنسان والطبق: ما طابق غيره يقال: ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه ومنه قيل للغطاء الطبق وإطباق الثرى ما تطابق منه ثم قيل للحال المطابقة لغيرها طبق ومنه قوله عزّ وجلّ: {طبقا عن طبق}، أي حالا بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدّة والهول ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم هو على طبقات ومنه طبق الظهر لفقاره الواحدة طبقة على معنى لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدّة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها.
قلت ومن ورود الطبق بمعنى الأمة قول العباس بن عبد المطلب في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
وأنت لما ولدت أشرقت الأر ** ض وضاءت بنورك الأفق

تنقل من صالب إلى رحم ** إذا مضى عالم بدا طبق

{فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} الفاء الفصيحة وما اسم استفهام مبتدأ و{لهم} خبر وجملة {لا يؤمنون} حال.
{وَإِذا قرئ عَلَيْهِمُ القرآن لا يَسْجُدُونَ} الجملة معطوفة على الجملة الحالية السابقة و{إذا} ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة {قرئ} في محل جر بإضافة الظرف إليها والقرآن نائب فاعل وجملة {لا يسجدون} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم.
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} حرف إضراب انتقالي و{الذين} مبتدأ وجملة {كفروا} لا محل لها لأنها صلة الذين وجملة {يكذبون} خبر {الذين}.
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ} الواو حرف عطف و{اللّه} مبتدأ واعلم خبره و{بما} متعلقان بـ: {أعلم} وجملة {يوعون} لا محل لها لأنها صلة ما أي يضمرون في قلوبهم من التكذيب.
{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به و{بعذاب} متعلقان بـ: {بشرهم} و{أليم} نعت.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} {إلا} حرف استثناء والاستثناء منقطع فهو بمعنى لكن و{الذين} مبتدأ وجملة {آمنوا} صلة {وعملوا الصالحات} عطف على الصلة داخل في حيّزها و{لهم} خبر مقدّم و{أجر} مبتدأ مؤخر و{غير ممنون} نعت أي غير مقطوع ولا منقوص والجملة الاسمية خبر الذين، هذا ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا فيكون الذين مستثنى.

.البلاغة:

في قوله: {والليل وما وسق والقمر إذا اتَّسَقَ} فن الالتزام أو لزوم ما لا يلزم، ومنهم من يسمّيه الإعنات وقد تقدمت الإشارة إليه وهو أن يلتزم الشاعر في شعره والناثر في نثره حرفا أو حرفين فصاعدا قبل حرف الروي على قدر طاقته مشروطا بعدم الكلفة، وقلنا أن لأبي العلاء المعري ديوانا التزم فيه ما لا يلزم. أما في الآية فقد التزمت النون قبل القاف. اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:

سورة الانشقاق:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
جواب {إذا} فيه أقوال: أحدها {أَذِنَتْ} والواو زائدة.
والثاني هو محذوف تقديره: يقال يا أيها الإنسان إنك كادِحٌ، وقيل التقدير: بعثتم أو جوزيتم، ونحو ذلك مما دلت عليه السورة.
والثالث أن {إذا} مبتدأ، وإذا الأرض خبره، والواو زائدة حكى عن الأخفش.
والرابع أنها لا جواب لها، والتقدير: اذكر إذا السماء، والهاء في {ملاقيه} ضمير {ربك}، وقيل هو ضمير الكدح: أي ملاقي جزائه، و{مسرورا} حال، و{ثبورا} مثل التي في الفرقان {وما وسق} {ما} بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة، أو مصدرية.
قوله تعالى: {لتركبن} على خطاب الجماعة، ويقرأ على خطاب الواحد، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل الإنسان المخاطب، و{طبقا} مفعول، و{عن} بمعنى بعد، والصحيح أنها على بابها وهى صفة: أي طبقا حاصلا عن طبق: أي حالا عن حال، وقيل جيلا عن جيل، و{لا يؤمنون} حال، و{إلا الذين آمنوا} استثناء، ويجوز أن يكون متصلا، وأن يكون منقطعا، والله أعلم. اهـ.

.قال حميدان دعاس:

سورة الانشقاق:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[الانشقاق: آية 1]

{إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1)}
{إذا} ظرفية شرطية غير جازمة {السَّماءُ} فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده {انْشَقَّتْ} ماض فاعله مستتر والجملة مفسرة والجملة المقدرة في محل جر بالإضافة.

.[الانشقاق: آية 2]

{وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (2)}.
{وَأَذِنَتْ} ماض فاعله مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها {لِرَبِّها} متعلقان بالفعل {وَحُقَّتْ} ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها.